عرف الإنسان بعد اكتشاف المنهج التجريبي حركة فكرية نشيطة عملت على فصل العلوم عن الفلسفة ، وكانت الدعوة إلى التخلي عن التفسير الغائي على أساس أن أية دراسة لا تكون علمية إلا إذا فسرت ظواهرها بالأسباب الفاعلة التي إذا تكررت معها نفس النتائج ، إذا كانت البيولوجيا لكي تقوم يجب عليها دراسة ظواهرها دراسة علمية ، هل هنا يعني أن البيولوجيا يجب أن تفسر ظواهرها تفسيرا أليا ( بالأسباب الفاعلة ) وتخضع لمبدأ الحتمية ؟ لكن المادة الحية تمتاز بالحياة والتكامل ، على غرار المادة الجامدة وكأنها وجدت لغاية حددت من قبل ، هل هذا يعني أن المادة الحية بخلاف المادة الجامدة يجب تفسير ظواهرها بالأسباب الغائية ؟ إذا عرفنا مرة أخرى أن التفسير الغائي عقيم علميا وعمليا ، المشكل المطروح * هل يمكن أن نفسر ظواهر المادة الحية بالأسباب الفاعلة فتقوم البيولوجيا أم لا ؟ ـ أعجب أصحاب المذهب الآلي بالنتائج العلمية والعملية التي حققتها الحتمية في ميدان العلوم الطبيعية فرأو أن البيولوجيا إذا أرادت أن تقوم كعلم يجب أن تخضع هي أيضا ظواهرها لمبدأ الحتمية ، وتفسرها بالأسباب الفاعلة ، التي إذا تكررت تتكرر معها نفس النتائج الأمر الذي يمكنها من الكشف عن العلاقات الثابتة بين الظواهر والتحكم فيها ولا شيء يمنع من ذلك مادام الكائن الحي يتكون من نفس المواد التي نجدها في الطبيعة ، وكذلك التفاعلات التي تحدث في المعدة هي نفسها التفاعلات التي تحدث في المخابر ، فلا تكون الدورة الدموية سوى عملية ميكانيكية تخضع لنفس قوانين الميكانيكا المعروفة في الفيزياء ، يقول علي الياقي عن الآليين : إذ يبدو لهم الجسم المتعضي الحي بمثابة آلة اعتيادية من نموذج فيزيائي كيماوي معا تشكله قوانين و وظائفه تشبه إلى حد بعيد القوانين التي تستند إليه الآلات أما عن الاختلاف بينهما فيمكن في درجة التعقيد فقط يقول والفرق الأساسي عندهم بين المادة المتعضية والمادة الجامدة ، يقوم على درجة الاشتباك والتعقيد أما عن تكوين الكائن الحي ، فإنه تكون عندهم بنفس الطريقة التي تكون بها البترول في الطبيعة تجمع مواد وتفاعل مواد ، ولا داعي لمحاولة تفسير وجودها بغايات قصديه ، فالعين لم تخلق لغاية الإبصار، وإنما وجدت نتيجة لاتفاقات كثيرة ، ثم قامت الطبيعة بعملية الانتخاب ، فما كان نافعا أبقته ، وما كان ضارا أزال كما يقول داروين أما عن الوظيفة التي يقوم بها العضو فتكوينه هو الذي يحددها بطريقة آلية ، فالإنسان يبصر لأن له عينين ، وليس عينان لكي يبصر ، الآليون ينكرون كل تفسير ديني ميتافيزيقي لوجود الكائنات الحية ، وذهبوا إلى حد القول أن الإنسان لم يوجد على هذا الشكل ، وإنما مر في وجوده بعدة مراحل تطورية ، فكرة نجدها عند ديكارت نفسه الذي يؤكد أننا نفهم طبيعة الأشياء أكثر عندما ننظر إليها على أنها تكونت شيئا فشيئا ، أكثر مما نفهمها عندما ننظر إليها على أنها وجدت دفعة واحدة . وكذلك عند دوثردان الذي يرى ان التطور ليس فرضية ، ولكنه التعبير الملائم الحياة . وعند فاندنروك الذي يقول : كلما عرفنا الكائن الحي كلما اصبحت فكرة التطور بديهية ، فيحتم علينا تفسير ظواهر المادة الحية ، كما تفسير ظواهر المادة الجامدة تماما . * لكن كيف يمكن للآليين ان يفسرو المادة الحية بنفس الطريقة التي يفسرون بها المادة الجامدة وشتان بين المادتين ؟ المادة الجامدة مادة هامدة ليس فيها حياة بينما المادة الحية مادة تمتاز بالحياة يربط أجزائها نوع من التكامل الكبير الذي يدل على وجود غاية يهدف اليها ، هكذا يستبعد برغسون الذي تصدى للمبدأ الآلي . وحدوث المصادفة أو التنظيم العفوي في وجود الكائنات الحية ونشوئها ، ويفسر تكامل اعضاء الكائنات الحية بالقوة الحيوية التي تدفع دوما الى الكائن الكامل ، ان الأعضاء وجدت لضرورة القيام بالوظائف التي حددت لها من قبل وليس العكس ، ان محاولة